لأن العمل ….حياة

بقلم ليندا حمّورة
العمل في الحياة ليس مجرد طريقٍ إلى المال، بل هو نبضُ الكرامة في جسد الإنسان. هو المعنى الذي يجعل للوقت قيمة، وللعمر رسالة. ما خُلِق الإنسان ليقف على عتبة الانتظار، بل ليخطو، ليزرع، ليحرث الأرض برجليه إن لم يجد طريقًا ممهدًا.

كُثُرٌ هم العمال، لكن القليل منهم من يُخلِص كأن قلبه هو من يوقّع بدل يده. أولئك الذين يضعون الروح لا الأجر على رأس جدول أعمالهم.
اليوم، أُقبّل كفّ عامل النفايات الذي يكنس شوارعنا من قذارةٍ لم يصنعها، يطارد أوساخنا كما يطارد الضوءُ ظلّه، ولا يشتكي.
أرفع قبعتي لعنصر الدفاع المدني، ذاك الذي يرمي بنفسه في قلب النار لينتزع منها جسدًا غريبًا لا يعرف اسمه، وكأن روحه مرهونة لسلامة الجميع.
أحيّي الجندي الذي يحرس الحلم ببندقيته، واقفًا كالسنديانة في وجه الريح، وقلقه لا يُترجم بالكلمات بل بالعرق المتصبّب تحت الخوذة.
ولكل مزارعٍ يعلّم التراب معنى الخصوبة، ولكل معلّمٍ يزرع الحروف في عقولٍ عطشى، ولكل نجّارٍ يُشكّل الخشب كما يُشكّل القلب حكاياته، ولكل خبازٍ يعجن الدقيق كما يعجن الفجر نورَه…
وللطبيب، حارس الحياة بصمت، أقول: كل عام وأنت الأمل يمشي على قدمين، تداوي بيدٍ وتُطمئن بالأخرى، وتقاتل الوجع بمعطفك الأبيض لا بدرعٍ ولا سيف. أنت العطاء الذي لا ينتظر شكرًا، والنور الذي لا ينطفئ.
فهؤلاء هم البناؤون الحقيقيون، الذين لا يُخلِّدهم الإعلام، بل تُخلِّدهم الحياة.
فالعامل الصادق لا يحمل وظيفة، بل يحمل رسالة.
هو شاعرٌ يكتب على الورق الخشن للحياة، لا بالحبر، بل بالعرق.
هو شمعة لا تنتظر تصفيقًا، بل تُضيء الطريق وتمضي.
وما أصدق ما قاله جبران خليل جبران: “العمل هو الحبّ مرئيًّا.”
فإن لم نُحبّ ما نعمل، ولم نُخلِص فيه، فكيف ندّعي أننا نحيا.