“الضفة الأخرى” رواية مقتبسة عن فيلم “Cast Away” للممثل “Tom Hanks”

بقلم أحمد جمال الحلاّق

في لحظة غير متوقعة، انهارت السماء فوق رأسه. كانت الرحلة روتينية، والحياة تسير وفق جدولها المعتاد، حتى قرر القدر أن يعيد تشكيل كل شيء. سقطت الطائرة، وتحطّمت معالم الواقع، واستفاق “تشاك نولاند” وحيداً على شاطئ جزيرة نائية، لا أثر لبشر، لا صوت سوى هدير البحر ونبض الوحدة.

بدأت الأيام تمضي ثقيلة، تتكرر بصمت قاتل، حتى كادت ملامحه تذوب في العزلة. كان البحر واسعاً، والسماء أبعد من أن تُمسك، والذاكرة وحدها ما تبقّى له من العالم القديم.
فابتكر ما يُبقيه إنساناً: كرة مهملة رسم عليها وجهاً وسماها “ويلسون”، صنع منها صوتاً يردّ عليه بصمت، أنيساً في الليل، ظلاً في النهار، دليلاً على أنه ما زال حياً من الداخل.

لكن الأمل لم يغب.

رسم في ذهنه صورة لضفة أخرى، ضفة يعيش فيها من يعرفه ويتذكّره، من يفتقده أو يبحث عنه. ربما لم يكن يعرف من تحديداً، لكنه آمن أن هناك معنى للعودة.
فبدأ بناء قاربٌ من الحطب والمسامير المرتعشة، وشراع من الإصرار، ووجهة لا يعرف ملامحها سوى قلبه.

وعبر المحيط.

وحين وصل، أدرك الحقيقة: الحياة لم تتوقف عند غيابه. العالم استمر، الناس تغيروا، وتكيّفوا، وأعادوا ترتيب أيامهم. لم يكن هناك احتفاء بعودته، ولا انتظار.
لكن المفاجأة لم تكن صدمة… بل كانت يقظة.

فالضفة الأخرى لم تكن كما رسمها في خياله.

لم تكن هناك من تنتظره.

الزوجة التي أحبته بكت كثيراً ثم جفّت دموعها، ثم أحبّت من جديد، وتزوجت، ومضت الحياة. أصدقاؤه أقاموا له العزاء، وحزموا الذكريات في صناديق النسيان. لم يكن هناك من يبحث عنه. لقد أكمل العالم دورته من دونه.

حينها، فهم تشاك الحقيقة الكبرى:
فهم أن معركته لم تكن للعودة إلى الآخرين، بل كانت للبقاء حياً في وجه العدم. كانت حرباً كي لا يذوب في النسيان، لا نسيانهم له… بل نسيانه لنفسه.

ففي عمق كل عزلة، ينبض قلب يبحث عن ضوء.
قد لا ينتظرك أحد على الضفة الأخرى، لكن يكفي أن تجد نفسك هناك.
لذا, اكتب قصتك بيدك، ولا تجعل نجاتك مرهونة بأحد. فالحياة الحقيقية تبدأ عندما تقرر أن تكون كاتبها، لا مجرد راوي ذكرى.