«كلّو مسموح»: كارول سماحة تُعيد تعريف المسرح الغنائي اللبناني بوهج عالمي

بقلم زلفا عساف

عندما تُسدل الستارة على عرض «كلّو مسموح»، لا تغادر المسرح وأنت تحمل فقط الأصداء الجميلة،  بل تغادر شعوراً نقيّاً بالمسرح الحقيقي، كأنك حضرت عرضاً وُلد في برودواي، لكنه نشأ في قلب بيروت.

هذا العرض يأخذك بثقة إلى عالم يلتقي فيه البصر بالروح، حيث تصبح الموسيقى لغة تجمع بين الممثلين والجمهور.

يُعد «كلّو مسموح» أكبر إنتاج مسرحي غنائي في لبنان حتى الآن، مستوحى من المسرحيّة العالمية الشهيرة Anything Goes التي نالت أكثر من 50 جائزة عالمية مرموقة. هذا الصيف، ستُعرض المسرحية ضمن أمسيتين في مهرجانات بيت الدين الدولية بتاريخ 23 و24 تموز (يوليو)، في حدث فني ينتظره عشاق المسرح بفارغ الصبر.

 كارول سماحة ملكة الخشبة وأكثر

 تُثبت كارول سماحة أنها ليست فقط نجمة على الخشبة، بل أيقونة لبنانيّة حقيقية تعرف كيف تصنع من المسرح مملكتها. «كلّو مسموح» ليس مجرد استعراض غنائي عادي، بل عمل دقيق الإعداد، متنقل بين المشاهد بسلاسة، مليء بالانفعالات الذكيّة والأداء الصوتي المباشر الذي لا تشوبه شائبة.

من اللحظة الأولى، تستحوذ كارول على انتباه الجمهور بسهولة. هي لا تلعب دور «ياسمينا» فحسب، بل تصنع شخصية حيّة تتنفس، تضحك، تخدع وتُحب. الكاريزما التي تتمتّع بها تجعل كل حركة وكل نغمة تنبض بالحياة، وكل مشهد تحلّ فيه يصبح محوراً لا يمكن تجاهله. انسجامها التام بين الغناء والرقص والتمثيل لا يشي باحتراف فني فقط، بل يكشف عن نضج عاطفي ووعي درامي فريد.

 إخراج إبداعي ومسرحة مُتقنة

النص من كتابة وإخراج روي الخوري الذي يشارك أيضاً في البطولة، مستنداً إلى نسخة معربة من Anything Goes. واستند في الكتابة أيضًا إلى مشاركة  فؤاد يمين، الذي أضاف بأسلوبه الذكي فرادة محليّة مُحببة دون أن ُتفقد النص أصالته. استطاع الخوري أن يُحوّل القصة إلى سياق لبناني من دون أن يُفقدها روحها العالميّة، وهي معادلة صعبة أن تُنفذ بهذه السلاسة.

الإخراج يتميز بإبداع بصري وحيوي. الإضاءة والديكور والأزياء ليست مجرد تفاصيل، بل أدوات سرد حقيقية. التصميمات تنقلك فعلاً إلى عالم على متن باخرة فاخرة، حيث الحدث لا ينفصل عن الشكل، بل يتناغم معه. الإيقاع سريع ومنسجم، ولا لحظة فيه تشعر أنها زائدة.

 أداءات لافتة ولمسات خاصة

فؤاد يمين في دور «مجاعص» يُقدّم أداءً ذكياً، لا يُطارد الضحك بل يدعه يولد من تلقائيته. تعابيره وحضوره جعلا الشخصية أقرب إلى القلب، مُضيفاً نوعاً من الكوميديا الراقية إلى العرض. دوري السمراني يؤدي بدوره بحرفية، بينما يُثبت روي الخوري أنه ليس فقط مخرجاً، بل أيضاً مؤدٍ متكامل.

أما على صعيد التفاصيل الفنيّة، فقد تميز العرض بتصميم رقصات تُضيف إلى الحبكة، لا تستهلكها. نزيه يوسف، أحد أبرز أبطال العرض، تألق بأداء تمثيلي مُحكم، عكس براعة في التحكّم بالشخصية وتقديمها بحضور قوي على الخشبة.

الحضور الطاغي أيضاً لمواهب شابة مثل جوي كرم،نور حلو،شربل سمور، أضفى روحاً جديدة على المسرح، مؤكداً أن الإنتاج اهتم بكل عنصر على الخشبة، مهما كان حجمه.

 حدث مسرحي لبناني

ما يُحسب لـ «كلّو مسموح» أنه لا يتكّل على النجوميّة فقط، بل يحمل مشروعاً فنيّاً حقيقيّاً يُعيد تعريف المسرح الغنائي اللبناني.

عمل بمستوى تقني عالٍ، لكنه أيضاً ينبض بإحساس محلي واضح، من خلال اللهجة، الطابع الموسيقي، وحتى النكات العابرة التي تلامس واقع الجمهور.

 يُصبح الجمهور  في العرض جزءاً منه، يُصفق من القلب، ويضحك بعفوية، ويتفاعل بحسٍ حقيقي بعيداً عن المجاملة.

كلّو مسموح» ليس فقط عرضاً مسرحيّاً ناجحاً، بل محطة فنيّة مميزة في مسيرة كارول سماحة، التي أثبتت مرة جديدة أنها فنانة لا تنكسر. وقد وقف إلى جانبها العديد من الفنانين اللبنانيين والعرب، دعمًا وتعاطفًا، لمحنتها بوفاة زوجها رجل الأعمال الدكتور وليد مصطفى، ما أضفى على العرض طابعًا وجدانيًا خاصًا لدى جمهورها.

سيُعاد تقديم العرض ضمن مهرجانات بيت الدين هذا الصيف، في ليلتين فقط، بتاريخ 23 و24 تموز، في فرصة نادرة لمشاهدة هذا الحدث الفني الفريد على مسرح أثري بحجم بيت الدين. “كلو مسموح” عرض من النوع الذي لا يُفوّت.