180 درجة من الإحساس: آدم يغمر زحلة بصوتٍ لا يُنسى

بقلم زلفا عسّاف

في زحلة، حيث للهواء رنين النبيذ، وللأمسيات طعم الضياء، كان للموسيقى وجهٌ آخر. تحوّلت حديقة جوزيف سكاف إلى قلب نابض بالعاطفة، حين اعتلى الفنان آدم المسرح ضمن انطلاقة مهرجان Zahle Upside Down الدولي. لم يكن مجرد حفل افتتاح، بل افتتاحٌ لحالة حسّية كاملة، امتزج فيها الصوت بالصورة، والذاكرة باللحظة، في عرضٍ قلبَ كل المفاهيم رأسًا على عقب… تمامًا كما يوحي اسم المهرجان.


صوت آدم لم يأتِ ليملأ الفراغ، بل ليمتدّ في أرواح الحاضرين، كمن ينسج خيوطًا شفّافة بينه وبين الجمهور. افتتح بأغنيات تُشبهه وتشبهنا: “خلص الدمع بعيني”، “أوقات”، “هذا أنا”، “حدا عارف عناها شي”..  كل مقطع كان استراحةً في وجدان الحضور، وكل صمت بين أغنيتين، مساحة تنفّس لقلوبٍ تفاعلت كأنها جزء من فرقته الموسيقية. لم يكن يُغنّي، كان يروي، يروي مشاهد من الحب، من الغياب، من الإصرار على الحياة رغم كل ما “راح”.


لكن السحر لم يكن صوتيًا فقط. في محيط بصري مدروس، أُحيط الجمهور بشاشة بزاوية 180 درجة، قدّمت عرضًا سينمائيًا متحركًا التهم الزمان والمكان. لم يعد هناك “مسرح” و”صفوف جمهور”، بل دوّامة حسّية يعيش فيها الجميع اللحظة ذاتها، من كل الزوايا. هي ليست شاشة عرض، بل نافذة داخل التجربة، حيث كل حركة ضوء، كل لقطة، وكل ظلّ، يعمّق الصوت لا يشتته.
وهنا تظهر براعة التنظيم، حيث وقفت شركة Wave Production خلف هذا الإنجاز، لا كمنظّم عادي، بل كصانع محتوى حيّ، يتقن فن تحويل الحفلات إلى تجارب. بعين خبيرة في تفاصيل الأداء المباشر، وفهم عميق لتوقّعات الجمهور، نسجت هذه الشركة خيوطًا لوجستية دقيقة: مقاعد موزّعة بحسب فئات راقية، نقل داخلي مريح، وشراكات محلية منحت الضيوف فرصة الغوص أكثر في ضيافة زحلة وتراثها.


كل شيء كان محسوبًا… لا مجال للارتجال في مهرجانٍ يقدّم نفسه على أنه أوّل تجربة موسيقية من هذا النوع في لبنان. من طريقة الدخول، إلى الانعكاسات البصرية المصاحبة للعزف والغناء، بدا المشهد أشبه بمسرح حلمي يُبنى على عينٍ تتقن الرؤية.
في النهاية، لم يخرج أحد من الحديقة كما دخل. تلك الليلة غيّرت شيئًا صغيرًا في داخل كل من حضر. جعلتنا نتذكّر أن الفنّ حين يُقدَّم بهذه الدقة وهذا الصدق، لا يكون مجرد استماع… بل مشاركة وجدانية كاملة.
فتحيّة لمنظمي هذا الحفل والى المزيد من النجاحات.