نور على وطن: سيمفونية الانتماء بصوت كورال المشرق العربي
زلفا عساف
في أمسية اتّشح عنوانها بـ«نور على وطن»، ارتقى كورال المشرق العربي على خشبة مسرح بيار أبو خاطر في الجامعة اليسوعية، ليحوّل الموسيقى إلى شعاع يتسلّل إلى القلب قبل الأذن. كانت الأصوات هناك أكثر من مجرد نغمات؛ كانت أنفاس الوطن نفسه، متداخلة، متناغمة، كأنها خيوط ضوء تتجمع لتشكل سماءً موسيقية تنير حاضرنا وتستحضر ذاكرتنا.
من اللحظة الأولى، بدا أن الجوقة مدرّبة على قراءة الصوت كأنه لغة روح، كل طبقة صوتية تحكي قصتها، كل نغمة تتنفس معنى، وكل تلاعب ديناميكي يخلق جملة موسيقية حيّة، تتدفق كما لو كانت نسيمًا يعانق المكان ويضم الحضور إلى دائرة الانتماء الجماعي. لا مجرد أداء، بل حوار مستمر بين الصوت والوجدان، بين الفرد والجوقة، بين الماضي والحاضر.
الريبرتوار الذي قدّموه كان لوحة فنية متكاملة، مزجوا فيها إرث الموسيقى اللبنانية الكلاسيكية مع ألحان جديدة من ابتكارهم، لتنبض كل أغنية بدمها الخاص. أعمال زكي ناصيف والرحابنة ووديع الصافي بحسّ كورالي متجدد، بينما الريبرتوار الخاص بالجوقة أضاف بعدًا معاصرًا، ليصبح كل صوت، كل جملة، جزءًا من لغة وطنية جديدة تنبض بالحياة.
القيادة للمايسترو ابراهيم البمباشي كانت قلب هذا النسيج الصوتي؛ المايسترو، بيده الخفية، حوّل كل تردد إلى وحدة متناغمة، كل توقّف إلى مساحة للتأمل، وكل تصاعد إلى لحظة وطنية تتسع لتضم الحضور. في كل جملة موسيقية، كان الوطن يتكلم، يهمس، يعلن، ويغني، ليصبح الحفل بأكمله أكثر من عرض، بل تجربة وجدانية تعيد صياغة الانتماء بصوت جماعي واحد.
«نور على وطن» لم يكن مجرد عنوان، بل شعور حيّ، تجربة موسيقية تتجاوز اللحظة لتصبح ذكرى، وغناءً يتحدث عن الانتماء قبل أن ينطق بالكلمات، ورسالة تتجاوز حدود المسرح لتغمر كل من حضر أو استمع، وتترك أثرًا ممتدًا في الروح. كورال المشرق العربي أثبت، مرة أخرى، أن الموسيقى قادرة على أن تكون صوت الوطن، ضوء الانتماء، ونسيج الهوية، وأن الغناء، حين يُقدّم بإتقان وإحساس، يصبح لغةً عالمية تُقرأ بالقلب قبل الأذن.
مقتطفات من الحفل


